نشر في جريدة النهار بتاريخ 2012-12-11
الدكتور بيارو كرم
الجراحة التجميليّة للأعضاء التناسليّة... وما عليها!
بعيداً من ترميم أعضاء في الجسم قد تكون مشوّهة لسبب ما، يُراد من الجراحة التجميليّة للأعضاء التناسليّة أن تحّل المشكلات الجنسيّة التي قد نواجهها في مرحلة ما من مراحل حياتنا. إلاّ أن هذا المعتقد خاطىء، وخصوصاً أن معظم أسباب المشكلات الجنسيّة ليست جسديّة وإنما نفسيّة. على سبيل المثال، لا يوفر قضيب "أطول" المزيد من المتعة أو من اللذة، ولا يسمح بالضرورة في المحافظة على الإنتصاب لمدة أطول أو حتى بالحصول على إنتصاب بشكل أسهل. غالباً ما يعود أمر الإضطرابات الجنسيّة إلى مشكلة نفسيّة في تقدير الذات أو الثقة بالنفس، وإلى صدمات نفسيّة سابقة أو قلق الأداء أو غيرها من المشكلات النفسيّة، كونها تندرج بشكل أكبر في إطار أكثر شموليّة؛ لذا من الخطأ اعتبارها مجرّد مشكلة جسدية أو "عيب" جسدي.
هل هو فعلاً خيار المرأة أن تخضع لعملية تجميليّة لتقويم الشفرات أو لتجميل المهبل؟ هل هو خيار مستنير، أو هي رغبة في الإمتثال لمعايير الجمال السائدة ونتيجة ضغوط إجتماعيّة كبيرة؟ أم هي إستجابة لتوقعات ورغبات ذكوريّة، وهو أمر يتم في كثير من الحالات عن غير وعي؟ أليست هذه عودة إلى الوراء بالنسبة إلى تحرّر النساء اللواتي ما زلن يخضعن لضوابط إجتماعيّة صارمة على أجسادهن؟
بين الرجل والمرأة
تتمحور أنواع الجراحات التجميليّة عند الرجال على إطالة القضيب أو زيادة قطره. ذلك أن القضيب يرمز الى الرجولة والذكورة والقوّة والأداء الجنسي الجيد؛ فمن غير المفاجئ إذاً أن تتعلّق العمليات الجراحيّة غالباً بإطالة هذا الرمز أو تكبيره.
أما بالنسبة إلى النساء، فإن عملية تكبير الثدي لا تزال حتى الآن، الجراحة الأكثر رواجاً. إلا أنّ الطلب بات يتزايد على عملية تجميل المهبل إلى جانب عملية تضييقه وشفط الدهون من منطقة العانة (أسفل البطن)، وحقن نقطة المتعة "ج"(Point G) بالأسيد إذ يصبح الوصول إليها أكثر سهولة. كذلك الأمر بالنسبة إلى عمليات تقويم الشفرات - عملية جراحية لتصغير حجم الشفر الكبرى والصغرى - وتجميل البظر، وتبييض أو تفتيح البشرة المحيطة بفتحة الشرج. وأيضاً، لا تزال جراحة ترقيع غشاء البكارة (وتالياً إستعادة العُذرية) شائعة في مجتمعاتنا العربية.
بين الشعبيّة والإباحيّة
يمكنني التأكيد أنّ ثمة رابطاً بين الشعبيّة التي تلاقيها الجراحة التجميليّة للأعضاء التناسليّة، وانتشار المواد الإباحيّة(Pornographie) التي تبدو فيها جميع الأعضاء التناسليّة جذّابة ومتشابهة ونمطيّة متجانسة وذات قياس واحد. كذلك يمكنني الجزم أيضاً بأن المواد الإباحيّة تؤثر وتسهم بشكل كبير في رواج الجراحة التجميليّة للأعضاء التناسليّة؛ لأننا نلحظ في طلب هذه الجراحات، عند الرجال والنساء على حد سواء، معايير إباحيّة ومراجع نمطيّة متداولة في مجال الجمال.
إن الهدف الأساسي من الجراحة التجميليّة للأعضاء التناسليّة هو تجميل هذه الأعضاء وجعلها أكثر جاذبيّة وإثارة للرغبة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: جذّابة لمن ولماذا؟
نعود بذلك إذاً إلى المعايير والتوقعات السائدة في المجتمع، ونتوصل مرة أخرى، كما هي الحال بالنسبة للجمال عموماً، إلى المعايير الصارمة والشديدة للغاية إلى حدّ الهوس، وهي تفرض تالياً ثقافة الشباب الدائم والجمال المستديم. عندها نتحدث إذاً عن فُرُوج (جمع فرج) منزوعة الشعر أو حليقة وشفرات صغرى غير موجودة تقريباً، وعن قضيب يمكن أن نصفه بالـ"مهيب"!
ويتجلّى تأثير المواد الإباحيّة أيضاً من خلال تثمين وإعطاء الأهمية لصورة الجسد وتجانسها مع المعتقدات والموضة السائدة. تحظى صور المهابل (جمع مهبل) والفروج "المنمّقة" والخالية من الشعر (التي تشبه إلى حد كبير أعضاء الصغار التناسليّة) بشعبية كبيرة.
ويعتبر التشابه مع الأعضاء التناسليّة لفترة ما قبل البلوغ أنها جذّابة ومثيرة جنسيّاً. ألا يدعو هذا ألامر إلى التفكير بنظرتنا إلى الذات؟
تقدم لنا المواد الإباحيّة نماذج جمالية موحّدة في ما يتعلّق بالجنس. ولكنّ عوامل متعددة تزيد من الحاجة الملّحة إلى المثاليّة في كل أجزاء الجسد لدى النساء والرجال؛ فغالباً ما نشهد تصوراً وإدراكاً خاطئاً عن الذات وعن الجسد، وخصوصاً لدى النساء. ويمكن أن تكون أسبابه، المعرفة غير الكافية بتركيبة أعضائنا التناسليّة والنقص في التربية الجنسيّة، وأيضاً ضآلة الإستكشاف الجنسي.
أضف إلى ما سبق، أنّ وجود غالبية الأعضاء التناسليّة للمرأة داخل الجسد، وغير ظاهرة للعيان كأعضاء الرجل، عامل يمكن أن يسبب إصابة بعض النسوة بالقلق والإحساس بأنهن غير طبيعيّات وغير مرغوبات. على سبيل المثال، تعجز العديد من النساء عن تحديد موقع بظرهن، بينما تعتقد بعضهن أن النساء يبولن من المهبل…
هذه المفاهيم الخاطئة تسهم في حصول الإلتباس في صورة الذات والإحساس بعدم الراحة والإضطراب والتعقيد.
من هنا، ينظر إلى الجراحة التجميليّة للأعضاء التناسليّة وكأنها حل يسمح بإصلاح وتحسين هذا أو ذالك الجزء من الجسد، وجعله "مطابقاً لما يجب أن تبدو عليه" الأعضاء التناسليّة الطبيعية، والصحيّة، والمرغوبة.
ما يتم تجاهله، المضاعفات التي تخلّفها الجراحة التجميلية للأعضاء التناسليّة، جسديّة كانت أو نفسيّة، وسواء كانت الجراحة ناجحة أم لا.
وهنا، نعني الأسباب الحقيقيّة، الواعية أو اللاواعية، التي تقف وراء طلب إجراء هذا النوع من العمليات الجراحية والنتائج المرجوة التي تشكل الدافع لمثل هذا الطلب، ولا نقصد أبداً الحكم على الجرّاحين المتخصصين الذين يقومون بإجراء هذه العمليات.
فهؤلاء يقومون بما تقتضيه مهنتهم على أفضل وجه، وفقاً لما تسمح به التقنية والمعرفة.
إن الدوافع التي تقف وراء طلب هذه الجراحات هي نفسيّة بإمتياز.
فغالباً سرعان ما تخيب الوعود ولا تصدق التوقعات، وتظهر الأسباب النفسيّة مجدداً ثم تعود إلى الواجهة بقوة.
لذا، يمكن التأكيد أن الجراحة التجميليّة الجسدية ليست بأي حال من الأحوال الحل لمشكلات نفسيّة.
قد يصل الأشخاص الذين يملكون دوافع جسدية بحتة إلى مبتغاهم في بادئ الأمر، ولكن إلى متى يدوم هذا الأمر؟
الخطورة تكمن في أن المعتقدات أو الموضة السائدة قد تتغيّر، والرغبات الذكوريّة ليست نفسها من شريك إلى آخر، ناهيك بالتغيّرات والمضاعفات الجسدية بعد فترة الجراحة.
على سبيل المثال، يفقد القضيب الذي خضع لعملية إطالة، القدرة على البقاء في مكانه المعتاد، إن في حال وجود إنتصاب أو عدمه، لأن الجراحة شملت العصب الذي يؤدي دور السند له.
وفي الخلاصة، إن التمتّع بصحة نفسيّة وجسديّة جيدة مقرونة بمعرفة تامة بجسدنا والإحساس براحة نفسيّة منسجمة مع محيطنا الإجتماعي والثقافي، تبقى الضمانات المثاليّة للتمتّع بثقة في النفس وتقدير جيد للذات، وذلك من أجل المضي قدماً والحصول على حياة جنسيّة مرضية.
من هنا، فإن أي طلب لإجراء أي تدخل في مجال الجراحة التجميليّة في الأعضاء التناسليّة أو غيرها، مهما كان بسيطاً، كتكبير للثدي وغيره، يجب أن يقترن بطرح الأسئلة الصحيحة والجدية عن الدوافع الحقيقيّة التي تقف وراء مثل هذا الطلب، وإجراء تقويم نفسي قبل أي جراحة. وهنا يمكنني التأكيد أنّ جرّاحي التجميل الجيدين، يطلبون دائماً تقويماً نفسيّاً متكاملاً قبل تلبية أي طلب لأي عمل جراحي تجميلي.