الهوّامات، حب الإستعراء... ولعبة المونوبولي!
(Les Fantasmes)
تشكل الأحلام ذات الطابع "الإيروتيكي"(érotique) أو الجنسي(sexuel) جزءاً من حياتنا الحميمة منذ نعومة أظفارنا، وترافقنا طيلة العمر. وتأخذنا الهوّامات(fantasmes)، الضرورية لبلوغ مرحلة النضج والتوازن إلى عالم خيالي، إلاّ أنها قد تكون مصدر قلق(anxiété) أحياناً. فالعديد من الرجال والنساء يشعرون بالذنب(culpabilité) ويجدون أنه من غير الطبيعي وغير العادي التفكير بشخص آخر حين يكونون بين ذراعي الشريك، ويخافون من الهوّامات التي لا يريدون بأي حال أن تترجم على أرض الواقع.
عندما نصل إلى علاقتنا الجنسيّة الأولى، يكون خيالنا الذي يعمل منذ أعوام عديدة قد سبقنا بأشواط. وتتحكم بنا السيناريوات التي دارت مراراً وتكراراً في خيالنا. فنحن نخلق لأنفسنا قصصاً كمراهقين ترافقنا طيلة حياتنا كراشدين. سيناريوات(scénarios) مستحيلة تثيرنا اليوم بسبب صورة أو قصة أو رواية تركت أثرها وبصمتها علينا منذ أعوام. في مخيلتنا يرتبط السيناريو والإثارة الجنسية(excitation sexuelle) ببعضهما البعض، ولهذا السبب نعيش الإحساس مجدداً عندما نستعيد السيناريو نفسه، فهذا الرابط مترسّخ في ذاكرتنا. نقطة الإنطلاق عشوائية إذاً ومستقلة عن إرادة المراهق الشاب والفتاة اليافعة غير الملمين بالحياة الجنسية للبالغين وغير المسيطرين وغير المتحكمين بما يشعرون به.
عديدة هي الهوّامات ... عنف على الآخرين أو من قبلهم، إغتصاب(viol) أو على العكس عاطفة جيّاشة لا تترك مجالاً للجنس، وأحلام بإيلاج شرجي(pénétration anale) أو وضعيات(positions sexuelles) أخرى مختلفة، وتعدد الشركاء، وتبادل الشركاء(échangisme)، وثنائيّة جنسيّة(bisexualité)، وشبق النظر(voyeurisme)، وحب الاستعراء والظهور(exhibitionnisme). هوّامات مع ذاتنا أو مع الشريك أو مع شخصية شهيرة أو شخص غريب، أو حتى شخص غير محدد الهوية أو المعالم. قد يبدو ذلك صادماً. ولكن لنقارن هذا الأمر مع الطفل الذي يلعب دور السارق، ويطلق النار على صديقه ويقتله، أو يتسبّب في إفلاس شقيقه في لعبة الـ"مونوبولي"، كلها أمور نجدها طبيعية للغاية! فالخيال، طفولياً كان أو جنسياً، لا يمكن الحكم عليه كما نفعل مع الواقع.
إلا أن هذه القصص التي نرويها لذاتنا أو التي تفرض نفسها علينا، تؤدي دوراً أساسياً في تسهيل وتحفيز الإثارة الجنسية من خلال صرف التفكير عن المشكلات اليومية وإطلاق العنان للعاطفة الجنسية من خلال عملية مألوفة. وعلى غرار جميع الأحلام، تلعب الهوّامات دوراً بديلاً من خلال تعويض مشكلات واقع الحال والسماح بالقيام في الخيال بما لا يمكن القيام به على أرض الواقع، من خلال اللعب على وتيرة الأمور التي تخيفنا أو التي تدهشنا. من هنا، فإن الهوّامات هي عنصر مهم للغاية وضروري وأساسي لأي حياة جنسيّة.
وليس ثمّة أفضل من الهوّامات "الإيروتيكيّة" كبرهان لتأكيد تغلغل الحياة الجنسيّة البشرية في اللاوعي. الهوّامات أمر طبيعي، فنحن نتخيل أنفسنا نستمتع بولائم ملوكيّة، أو نستلقي على شاطئ رملي رائع. هذا النشاط الخيالي يمكنه وفق الحالة، إثارة حواسنا ومساعدتنا في الإسترخاء(relaxation). ولكنه نادراً ما يكون غايةً في حد ذاته. فكل شيء مختلف في الهوّامات الجنسية و"الإيروتيكيّة" التي تمنحنا أحاسيس في غاية الروعة. ويمكنها أن تقودنا، أكانت مقرونةً بتحفيزات جسدية أو لا، إلى المتعة الجنسيّة. نظريات فرويد(Freud) خصوصاً وأعمال التحليل النفسي(Psychanalyse) عموماً، تناولت مسائل الخيال والعالم الخيالي ومحتوياته، أي الهوّامات.
الهوّامات الجنسية هي عبارة عن سيناريو خيالي يكون فيه الشخص المعني حاضراً، وغالباً أقل تأثراً بالآليات الدفاعية(mécanismes de défense) في اللاوعي(inconscient)، لتحقيق رغبة هي في نهاية المطاف وليدة اللاوعي. وكما هي الحال بالنسبة الى الأحلام، قد تبدو لنا الهوّامات الجنسية واضحة أو ملتبسة؛ فهي تبدو عندما تكون مرتبطة مباشرة برغباتنا(désir)، شديدة الوضوح كما يحصل عندما نحلم بعلاقة جنسيّة مع الشريك المعتاد. إلاّ أن بعض الهوّامات تفاجئنا حين لا تكون لها أي علاقة برغباتنا الواعية: شركاء متعددين، وضعيات مُخزية، علاقات عنيفة. نُصدم بقدرتنا على الإستثارة بسبب وضع أو حالة لا نرغب بأي حال من الأحوال خوضها في الحياة الواقعية. يؤدي هذا التنافر والتناقض أحياناً إلى إحساس بالخجل والعار.
تتعلق الهوّامات تماماً كالحلم العادي بالواقع النفسي، هذا الواقع الذي لا يمكننا الوصول إلى قسم منه ألا وهو اللاوعي. تنشأ هذه الهوّامات "الإيروتيكيّة" إذاً من رغبات لا واعية مكبوتة، علماً أن الإكتفاء بظاهر الأمور يكون مغامرة غير مجدية.
وعلى غرار تحليل الأحلام، تطلعنا الهوّامات على رغباتنا اللاواعية والمكبوتة. ولكن علينا التعمّق فيها إذ لا يسمح رمز بسيط بتفسير أحلامنا على مستوى التحليل النفسي، وينطبق الأمر نفسه على الهوّامات. فالتحليل النفسي والعلاج النفسي التحليلي، هما القادران فقط على إرشادنا إلى اللاوعي الخاص بنا وليس الخاص بالآخرين.
هل يجب أن نحتفظ بهوّاماتنا لأنفسنا؟ أو نستمتع بإخبارها للعشيق أو العشيقة؟ أو نسعى الى تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع؟، لكل منا خياراته الخاصة. وفي الختام، لـ53 في المئة من الرجال هوّامات خاصة، مثلاً: إقامة علاقة جنسية في الهواء الطلق أو في وضعيات تعجيزيّة، إلخ... ولكنني مستعد للمراهنة على أنهم يضعون هذه الهوّامات جانباً ويفضلون البقاء في دفء سريرهم على خوض الوضعيات غير المريحة وغير الطبيعية التي تمر في هوّاماتهم.
Dr Pierrot Karam
د. بيارو كرم
إختصاصي في الصحة النفسيّة والصحة الجنسيّة
Psychotherapy - sexology - Hypnotherapy
www.heavenhealthclinic.com
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.