الرغبة عند الثنائي المتقدم في السن
لا ترتبط مشكلات الرغبة عند الثنائي المتقدم في السن بالضرورة بعامل العمر، فهي قد تكون ذات طبيعة مماثلة لتلك التي تُواجه الثنائي في شبابه كما هي الحال بالنسبة الى المشكلات النفسيّة الناجمة عن معتقدات خاطئة وتصورات سائدة بخصوص الحياة الجنسيّة والعمل الجنسي، ومشكلات التواصل أو عدمه بين الثنائي التي تؤدي في معظم الأحيان إلى حالات من الخيبة والإحباط وأحداث وأزمات يصعب التغلب عليها بسبب مشاعر الحزن والقلق وغير ذلك من الترسبات والتعقيدات؛ فتنعكس كل هذه الأسباب سلباً على الرغبة وتؤدي إلى تراجعها أو حتى إلى زوالها.
رغم أن مشكلات الرغبة لدى المسنين قد تعود للأسباب التي قد تواجه الثنائي الأصغر سناً، إلاّ أن عوامل عدة أخرى وخصوصاً في هذه الفئة العمرية قد تؤدي إلى تراجع الرغبة بالمطلق. ونحن، وإن كنا نشهد، مع تقدمنا في السن، إنفتاحاً متزايداً حيال الحياة الجنسية والفعل الجنسي تحديداً، إلاّ أن مجتمعنا لا يزال يورثنا أفكاراً مختلفة مفادها أن الجنس هو للشباب حصراً وليس للمتقدمين في السن. فوسائل الإعلام والقواعد والأعراف والعادات الإجتماعية وغيرها من المعتقدات، تُملي علينا أنه من الطبيعي أن يخصص الثنائي الشاب أوقاتاً لإشباع رغبته الجنسيّة يزخرها في الوقت نفسه بالشغف والعاطفة والحنان. ولكننا لا نتقبّل الأمر نفسه لدى المتقدمين في السن. فنحن نُقرّ بكل سهولة ومن دون أي تردد بوجود علاقة عاطفية تربط بين شخصين متقدمين في السن، ولكننا نشعر بنوع من الحياء المستغرب والمستهجن عندما نفكر بوجود رغبة جنسية بين هذين الشخصين. كما لو أن الرغبة في الإنصهار والإلتحام والإندماج الجنسي مع الشريك ومبادلته الحميميّة والرغبة الجنسيّة ، تزول حكماً بالتزامن مع إنقضاء سن الشباب أو مع التقدم في السن.
وإذا وضعنا جانباً العامل النفسي المرتبط بـحالة القلق في الأداء الجنسي، أي إمكان القيام بالواجب على ما يرام، الذي قد نشعر به جميعاً في مختلف الأعمار والظروف، رجالاً ونساء، فإن التوقف عن النشاط المهني مع التقدم في السن يمكن أن يؤدي ايضاً إلى تراجع في الرغبة لدى كل شريك على حدة أو لدى الثنائي معاً. وغالباً ما يكون مردّ هذا التراجع عند الرجل في هذه الحالة إلى أن هذا الأخير يشعر وكأنه فقد جزءاً من هويته الذكورية التي كانت تتمحور حول مسيرته المهنية ومركزه الإجتماعي. في المقابل، يجدر التذكير بأن التغيرات في الرغبة الجنسية عند الرجل المسن، الذي وإن لم يعد بطبيعة الحال يتمتع بعنفوان الشباب، تمكنه من الإفادة من هذا النمط الجديد لمواكبة وتيرة الرغبة لدى المرأة التي تحبّذ تخصيص مزيد من الوقت للمداعبات الطويلة. فيلتقيان في منتصف الطريق ولن يزيدهما هذا الأمر سوى متعةً ورضى وتقارباً من بعضهما البعض.
أما لدى المرأة : يمكن أن يكون السبب الكامن وراء تراجع رغبتها الجنسية عضوياً بسبب خلل في الهورمونات الجنسية أو نقص حاد في مستويات هذه الأخيرة عند الطمث أي عند إنقطاع الدورة الشهريّة. والمرأة التي تخضع لعلاج بالهورمونات البديلة يمكن أن تشهد تراجعاً في رغبتها الجنسيّة بسبب إمكان عدم حصولها على الجرعات أو أنواع الهورمونات المناسبة لوضعها وحالتها الخاصة. ولمعالجة هذا الأمر، يتوجب عليها مراجعة طبيب متخصص في هذا المجال. أما في حالات تراجع الرغبة بفعل وبسبب وجود الرجل المتواصل في المنزل في الوقت الذي كان نهارها ملكاً لها وحدها في السابق؛ فما عليها سوى الإفادة من ذلك وإستعادة دورها الأساسي حين إجتمعا في بدء حياتهما سوياً حيث كانت تعرف جيداً كيف تغوي شريكها وتجعل من أوقاتهما معاً مصدر حب وسعادة.
والثنائي المتقدم في السن، وإن كان طبيعياً بالنسبة له أن يولي أهميةً وإهتماماً لمسائل الحنان والحميمية مع الشريك، إلاّ أن هذا الأمر لا يعني أن يضع هذا الثنائي حياته الجنسية والعمل الجنسي جانباً. لذلك من المفيد جداً أن نفهم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تراجع الرغبة الجنسيّة أو إنعدامها كي نستطيع معالجتها. إذ أن معرفتنا وفهمنا الكامل للمراحل المختلفة لتطورنا الجسدي، يمكنه أن يساعدنا في الإجابة عن الكثير من الأفكار المسبقة والتعامل معها. ومهما كانت الأسباب الكامنة وراء تراجع الرغبة فإن تواصل الشريكين والمصارحة بينهما يؤديان حتماً إلى تفاهم أو حل يلبي حاجات كل منهما.
ومن وجهة النظر الميكانيكيّة والآليّة البحتة للعمل الجنسي، من المهم أن لا يغيب عن ذهننا الترتيب الزمني ومدة وتأثير المراحل الخمس التي يمر فيها العمل الجنسي لدى الرجل والمرأة على حد سواء (هذا الموضوع سيكون محور المعالجة في الأسبوع المقبل).
وأعود لأُذكّر هنا بأن التعبير عن المشاعر والعاطفة والحنان كفيل بإثراء الرغبة الجنسية وأن استمرار العلاقة الجنسية والتعبير الجنسي يسمح ويؤسس لمساحة حميمة دائمة ويغذّي العاطفة بين الشريكين! ومن هذا المنطلق، لا يسعني إلاّ أنأتمنى لكل ثنائي، شاباً كان أو معمّراً، أن تكون حياته الجنسيّة زاخرة وحافلة بالنشاط والرضى والمتعة...
Dr. Pierrot Karam
Sexologist, Psychotherapist and Hypnotherapist