الإباحية (pornographie) في الصحة الجنسيّة (sexologie) هي عبارة عن أي عمل أو إنتاج، إن كتاباً، أو رسماً، أو لوحة، أو صورة، أو فيلماً أو مشهداً، يرمي إلى تحفيز الإثارة الجنسيّة (excitation sexuelle) ويُعتبر جارحاً ومهيناً لكرامة الإنسان بسبب ظهور واضح أو ضمني لعناصر الضغط، والإكراه، والعنف الجسدي أو النفسي، والإهانة والإذلال، وتفاوت السلطة وإستغلالها. مجرد ذكر كلمة "الإباحية" يشير إلى أن المرأة والأعمال الجنسية المعروضة على الجمهور لديها طابع تجاري فاضح ومُخلّ بالآداب.
تزامنت بدايات الإباحيّة كما نعرفها حالياً مع إختراع التصوير الفوتوغرافي والسينمائي. وانتشرت في وقت كانت الدعارة (prostitution) تُمارس فيه بشكل قانوني وإزدهرت البيوت المخصّصة لها حتى في مناطقنا. وكان لهذه البيوت دور في التثقيف الجنسي وإشباع غريزة الرجال، كذلك معالجة العجز الجنسي (l’impuissance masculine) لديهم في بعض الأحيان.وشهدت دور الدعارة تصوير الأفلام الإباحية الأولى وكانت المومسات هن اللواتي يلعبن دور البطولة. على مدى حوالى قرن، كان تداول هذه الصور يجري في الخفاء ومن تحت الطاولة. ويُحظر حتى يومنا هذا بيعها وتوزيعها على القاصرين على الصعيد العالمي فيما هي ممنوعة بالكامل في منطقتنا. وتحظى هذه الأفلام والصور والمواد الإباحية بإقبال كبير رغم ركاكة السيناريوهات ورداءة الإنتاج. وهذا ما يُفسّر أن الإهتمام الذي يُبديه المشاهد ليس بالجودة البصرية أو الفنية لأعمال كهذه، وإنما بالمحتوى وما يثيره فيه.
في الواقع، تتمحور هذه التجارة الجنسية الإباحية حول ثلاثة عناوين يتم إستغلالها: وهي الإنتصاب عند الرجل (L’érection masculine )، مشاهد الإيلاج (pénétration) والكشف أو العري الجزئي للجسد.
تُقدّم الأفلام الإباحية صورة فظّة عن العمل الجنسي(acte sexuel) من دون مواربة ومن دون إحترام للعامل الزمني والمنطقي. المشاهد الذي يؤدي دور المتفرج الذي يختلس النظر، يخوض تجربة الإثارة الجنسية مُجرّدة من جوهرها؛ فهو يصل إلى الإثارة من دون جهد، ويُوفّر على نفسه عناء الإنخراط في علاقة حسّية أو أي بعد عاطفي مع ما يترتب عن تلك الأمور من مداعبات ومراعاة وإهتمام بالآخر. وينغمس في أحاسيس كاذبة قد تصل به في نهاية المطاف إلى درجة القرف والإشمئزاز.
لا يعتمد النجاح المنقطع النظير الذي تحققه الأعمال الإباحية، والسينمائية منها خصوصاً، على الجنس أو العمل الجنسي الذي نشاهده فيها، وإنما على طريقة عرضها. هذه المقاربة المنقوصة بلا أدنى شك للجنس، تكشف عن سعي غير ناضج للوصول إلى المتعة الجنسية(acte sexuel). يندرج هذا السلوك في إطار لعبة الأسئلة والأجوبة التي تدور حول الإثارة والإشباع والرضى (satisfaction) والتي لا تزال تكتسي بنوع من التصرف الطفولي. عكس ما قد نعتقد، الإباحية ليست محصورة بالأشخاص الذين يعانون كبتاً جنسياً أو بالمنحرفين جنسياً، وهي تُستهلك أيضاً بشكل أساسي في إطار كسر الروتين والرتابة بين الزوجين، كونها تؤدي دوراً مكمّلاً بين الثنائي. وتٌشكّل أحياناً بديلاً وعاملاً محفّزاً للإثارة عند تراجع الرغبة (satisfaction) أو عدم الرضى (satisfaction) - أو الإشباع - أو للتغلب على قلق تجاه الجسد والرغبة. وهي من جهة أخرى، قد تساعد في التعبير عن الهوّامات وتجسدها وتسمح بتبادل وتفاعل يعودان بالمنفعة على كلا الشريكين.
تختلف الأعمال والمواد الإباحية عن الصور والأفلام الإيروتيكيّة والتي لا يظهر فيها الجماع (coït) على الإطلاق وإن كان كل شيء يشير إلى حصوله. والأفلام الإيروتيكيّة (films érotiques)، الأقرب إلى الواقع من الإباحية، لديها حبكة متناسقة زمنياً، يُعرب فيها الممثلون عن أحاسيس. يسمح هذا الأمر بتماثل معيّن مع الشخصيات مما ينقل المشاهد إلى بُعد يفسح المجال أمام العلاقات والمشاعر والأحاسيس.
ماذا تقدِّم؟
تقدم الإباحيّة للمشاهد ما يلي:
- البعد الزمني الآني – الفوري؛ يُشكّل الجنس الإباحي النوع والنمط الوحيد، أو الوسيلة أو الأداة الوحيدة، للتفاعل بين الشريكين. ويتغاضى عن الأمور المتعارف عليها وعن العادات والتقاليد وحتى عن الحميميّة (intimité) لأن العمل الجنسي لا يتطلب في هذه الحالة تحديداً أيّ معرفة مسبقة بالشريك. هذه الفورية تفرض نفسها إذاً كإطار مُفضّل على حساب العلاقات الطبيعية التي تنشأ عادة.
- البحث عن الجنس خارج الإطار المعتاد أو المألوف؛ يظهر العمل الجنسي من دون أي تحضير للمشاهد. والصورة تُعبّر عن الجنس وتجسّده، كما لو أنه عالم بلا حدود، اذ يستطيع اي أمر أن يحصل في أي وقت، ومهما كان الرابط الذي يجمع الحاضرين أو المشاركين أو الأبطال.
- تسمح الإباحية للمُتفرّج (spectateur) بمشاهدة الفعل الجنسي والأعضاء التناسلية (parties génitales) من دون مواربة. فالمرأة تُقدّم نفسها من دون أي تحفظ وهي متوافرة ومتاحة للقيام بأي عمل جنسي وتضع نفسها تحت تصرف نظر الآخر... ونظر المشاهد. تكون عندها أداة ووسيلة للمتعة. أما الرجل الذي لا يبدو لديه أي سمات شخصية مميزة، يستعرض قدرات جنسية لا تشوبها شائبة. يكمن الهدف من هذه القدرات المتنوّعة بالنسبة الى الرجل كما المرأة في الوصول إلى القذفéjaculation).
بكلمات أخرى، ترتكز المواد الإباحية اساساً على الأداء الجنسي (performances sexuelles) للممثلين وتتغاضى كلياً عن جميع القيم البشرية، سواء كانت إجتماعية أو ثقافية أو غيرها. هذه القيم قد تُشكّل عائقاً أمام الرسالة الكامنة في المواد الإباحية، وهي أن هوّامات (fantasmes) المشاهد هي الأمر الوحيد الذي يحدّ العمل الجنسي.
لقد أصبحت الإباحية شائعة في يومنا هذا في جميع أنحاء العالم، ولكن آراء الإختصاصيين تختلف حول تأثيرها وحول وظيفتها التثقيفيّة. فهي قد تسهم فعلاً، وإلى حد ما، في تقديم تربية وثقافة جنسية (éducation sexuelle)، ولكن هذه الصور الفاضحة التي تتجاوز الحدود تنطوي على خطر الخلط بين الخيال والواقع، وهذا ما يحصل بشكل خاص لدى المراهقين الذين لا يتمتعون سوى بالقليل من الخبرة.
من جهة أخرى، فإن الحصول على معلومات عن الممارسات الجنسية(pratiques sexuelles) الخارجة عن المألوف لدى بعض المجموعات يؤدي إلى نوع من تقبّل للإختلاف كالمثلية (Homosexualité)، والثنائية الجنسية (Bisexualité)، والمازوشية السادية (Sadomasochisme) وغيرها...
وإدمانها؟
غالباً ما تعتبر الإباحية من السلوكيات القابلة للتحول إلى إدمان (Addiction). إلا أن عالم الطب النفسي (psychiatrie) لا يعترف بكونها نوعاً من الإدمان وإن كان يُقرّ بأنها تشجع على الإدمان الجنسي عند الإفراط في إستهلاكها. وهي تُشكّل في هذه الحالة عائقاً أمام النضج (épanouissement) النفسي والعاطفي وتضع الحياة الإجتماعية والعائلية للفرد جانباً. كما أن شبق النظر، ( Voyeurisme )، وهو مصطلح إستخدمه فرويد للدلالة على متعة المشاهدة، قد يتحول هوساً في حال أصبح الوسيلة أو الأداة الوحيدة المستخدمة أو السبيل الوحيد للوصول إلى الرعشة (orgasme) والإشباع.
إختصاصي في الصحة النفسيّة والصحة الجنسيّة
Dr. Pierrot Karam
Sexologist, Psychotherapist and Hypnotherapist
www.heavenhealthclinic.com
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.