صحة جنسية - المتعة، المعاناة... وضحيّة الاعتداء الجنسي! }الجزء الأول{
11 آذار 2014
التحرّش ليس مُجرّد فعل يقوم به الشخص المعتدي صدفة، بل هو إستغلال يعتبر إنتهاكاً وإستباحةً للطابع المقدس لتكامل الإنسان وسلامته. التحرّش والإعتداء الجنسي هما كل فعل إجباري أو إكراه، إن شفهياً أو بصرياً أو عملياً أو نفسياً، أو كل إتصال جسدي يقوم المعتدي من خلاله بإستغلال ولد أو مراهق أو شخص بالغ من أجل تحفيز جنسي له أو لشخص آخر. مهما كان نوع أو وتيرة التحرّش فهو يُسبب دائماً صدمة نفسية.
على مستوى اللاوعي؛ لا قيمة للوقت، وكأنه توقّف بالنسبة إلى الضحية. تعود ذكريات اللاوعي على شكل إكتئاب متكرر، وإضطرابات ومشكلات جنسية، ونقص في الرغبة، وإشمئزاز وقرف، وبرودة وعجز جنسي، وإستمناء قهري، وخوف من الجنس الآخر وإحتقاره، وخشية من الإرتباط والزواج. كما قد تتجلى هذه الذكريات على شكل دفاعات نفسية على غرار الإستهلاك المُفرِط للكحول أو المخدرات أو الطعام. للتذكير؛ السمنة بشكل خاص تسمح للفتيات الشابات وللنساء اللواتي تعرّضن للإغتصاب، بأن يصبحن، في اللاوعي، أقلّ جاذبية، ما يُؤمّن لهن الحماية من إعتداء آخر.
وفي لحظة ما، تدفع جميع هذه الأعراض، بلا وعي الضحية إلى السماح للمعاناة النفسية بالظهور ويصبح عندها تقبّل فكرة التكلّم عن الموضوع ممكناً. ولكن التحدّث عن هذا الأمر صعب للغاية ويكون إستيعاب هذه الحقيقة صدمة رهيبة. إذ تتساءل الضحية في قرارة نفسها ومن دون حتى الإفصاح عن ذلك صراحةً، إن كانت مذنبة بطريقة أو بأخرى، وإن كان في مقدورها تفادي حصول الأمر؛ وهل كان شخص آخر قد تعرّض للموقف نفسه ليتمكّن من المقاومة والتصدّي للمعتدي والهرب.
وفي كل مرة تغوص فيها ضحية التحرّش الجنسي في ماضيها المرعب، تدفع الثمن غالياً. في المجتمع وفي محيط الضحية، كثرٌ هم الأشخاص الذي يدّعون حسن النية بينما يكون همّهم الأول في حال قرّرت الضحية التحدّث عن الأمر وكشف الحقيقة هو ضمان راحة بالهم الشخصية والإبتعاد عن الأقاويل. حتى أن بعضهم سيتّهمونها بالكذب والمبالغة، ويلقون عليها اللوم لفتح صفحات الماضي ويطلبون منها النسيان وحتى مسامحة المعتدي. والكارثة الأكبر هي أن البعض الآخر سينتقد الضحية ويعتبرها مسؤولة عن ما حصل: الإعتداء أو التحرش.
دمغة أبدية؟
التحرّش الجنسي يدمغ الضحية إلى الأبد؛ يُدنّسها ويدفعها إلى الإبتعاد عن الآخرين والتخفّي والإنعزال. العار والخزي هما مزيج من الخوف من النبذ ومن الغضب تجاه المعتدي، إذ لا تملك الضحية الجرأة الكافية للتعبير عنه. والعار مرتبط بنظرة الضحية إلى ذاتها؛ وكأنها تدنّست إلى الأبد.
تجد الضحية التي تشعر بالعار نفسها أمام حلّين: إحتقار نفسها أو إحتقار المعتدي والأشخاص الذين يشبهونه وينتمون إلى فئته. والنتيجة واحدة في كلا الحالين: تلجأ الضحية إلى التدمير الذاتي لأن كره الذات أو كره الآخرين مدمر. يتجلّى كره الذات على مستوى الجسد، وعلى مستوى الحياة الجنسية، ومن خلال الحاجة إلى الحب، ومفهوم الطهارة والنقاء، والسلام الداخلي والثقة بالنفس وبالآخر. هذا الإحتقار للذات يُخفّف من الإحساس بالعار ويلغي تطلّعات الضحية إلى الحياة الحميمة والعطف والحنان. إحتقار الذات يُخدّر الرغبة ويمنح الضحية إنطباعاً خاطئاً بالسيطرة على معاناتها. وعندما يكون إحتقار الذات في ذروته، يدفع الضحية إلى الشره المرضي – النُهام - وإلى العنف تجاه الذات وحتى إلى الإنتحار. وفي الحالات الثلاث، تُنزل الضحية العقاب بجسدها لأنه موجود ولكونه يشعر بالرغبة.
بين الواقع والخيارات
أمام الضحية خيارات عديدة: إما المقاومة والكفاح من خلال تغذية غضبها تجاه المعتدي أو عبر الإجترار والتفكير في الإنتقام منه، أو الهروب من خلال محاولة النسيان والقسوة على نفسها من أجل إيقاف المعاناة ووضع حدّ لها والإنطواء على الذات بحيث تُصبح غير مبالية لا تشعر بأي عاطفة أو رغبة. حلّان عقيمان وعديما الفائدة لأن العدو والخصم ليس المعتدي؛ هو بالتأكيد مشكلة ولكنه ليس بالمشكلة الأهم. العدو الحقيقي هو إصرار الشخص - الضحية - على البقاء في حلقة المعاناة المفرغة، في الفراغ والموت الروحي والنفسي، وعلى رفض إستعادة حياته الطبيعية. العدو إذاً يكمن، للمفارقة، في الضحية نفسها.
سفاح القربى
وفي حالة سفاح القربى - inceste - يبدو لها أن المقرّبين منها، أي الأهل والعائلة والأقرباء لم يؤمّنوا لها الحماية الكافية اللازمة كما يُفترض بهم أن يفعلوا، وأن والديها لم يشعرا بشيء أو تجاهلا الأمر وإدّعيا عدم المعرفة. بالنسبة الينا جميعاً، لا يوجد أمر أبغض وأكره من التعرض للخيانة من شخص كان من المفترض أن يُكنّ لنا الحب والإحترام. لذا تشعر ضحية الإستغلال الجنسي بأن المعتدي ليس الشخص الوحيد الذي وضعت ثقتها فيه وخانها، وإنما هذا الأمر ينطبق أيضاً على الآخرين الذين لم يتدخلوا لوضع حد للإستغلال وإيقافه، سواء كان ذلك بسبب الإهمال أو التواطؤ أو المشاركة في الجريمة. والخيانة تؤدي إلى الحذر الشديد والشكّ خصوصاً حيال الأشخاص الأكثر تودداً. وإلى فقدان الأمل بالتقرّب من الآخرين وخوض حياة حميمة والشعور بالأمان... لأن أولئك الذين كانوا قادرين على ذلك، لم يفعلوا! إحساسها بأن تعرّضها للخيانة، حصل لأنها تستحق ذلك بسبب خلل ما في جسدها أو في طبعها أو في شخصيتها.
ينتابها إحساس بالتناقض والإزدواجية، كونها تشعر بأحاسيس متضاربة. تناقض يحوم حول مشاعر سلبية: العار والعجز والمعاناة التي تكون مصحوبة بالمتعة في بعض الحالات، سواء كانت على مستوى العلاقات على غرار الإطراء، أو كانت حسيّة على غرار المداعبات، أو جنسية على غرار لمس بعض الأعضاء وغيرها. بعض الأشخاص يتفاعلون مع التحفيز الجنسي من خلال الشعور بمتعة ما خلال الإعتداء. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الضحية تقبل بالإعتداء الجنسي وتحبّذه. ليست سوى ردة فعل جسدية خارجة عن سيطرتها. كما وأن البعض الآخر لا يشعر بأي متعة خلال الإعتداء. إقتران المتعة بالمعاناة يؤدّي إلى أضرار جسيمة: تشعر الضحية بالمسؤولية عن تعرّضها للإستغلال لأنها أقنعت نفسها بأنها تعاونت وتواطأت، كونها تظنّ أنها شعرت بالرغبة وإستمتعت.
بين الضحية والمذنب
في حال كان للشخص – المعتدي – سلوكاً جنسياً غير مناسب، ثمّة إحتمال كبير أن يكون ذلك بسبب تعرّضه هو لإعتداء جنسي في مرحلة ما من حياته. والمعتدون هم في غالبيتهم شبّان يافعون أو أشخاص ينتمون إلى جميع فئات المجتمع ومن جميع الأوساط الإجتماعية. وهم عادةً من محيط الضحية: زميل، أو جار، أو مسؤول، أو جليس أطفال، أو مدرّس، أو ربّ عمل، أو مرجع تربوي أو روحي، أو صاحب مكانة إجتماعية، إلخ... ولكن المعتدي أيضاً وفي معظم الأحيان يكون أحد أفراد العائلة: الأب، أو العم، أو الخال، أو الجد، أو زوج الأم، أو الأخ... ومن النادر أن يكون شخصاً غريباً عن الضحية. والإعتداءات الجنسية قد تحصل في أي عائلة، حتى تلك التي تبدو سليمة من دون أي مشكلات. وعندما يحصل إعتداء جنسي في أي عائلة، المعتدي هو وحده المسؤول وليس بقية أفراد العائلة. والمشكلات العائلية إن وجدت لا تشكل أعذاراً للمعتدي ولا تبرر أفعاله.
التتمة في الجزء الثاني ...
*إختصاصي في الصحة النفسية والصحة الجنسية
www.heavenhealthclinic.com
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.